-
في بناء التبعيّة الغذائية في تونس
حبيب عايب
ملخّص
تعتمد تونس، كغيرها من البلدان الكثيرة في الجنوب، على بلدان الشمال لتأمين الغذاء إلى سكانها الذين يناهز عددهم الـ12 مليون نسمة. وبصورة إجمالية، تستورد تونس أكثر من %50 من حاجاتها الغذائية في حين أنها لا تعاني نقصًا في الأراضي الزراعية الخصبة ولا في الموارد المائية القابلة للاستغلال أو في الكفاءات والدرايات المحلية في مجال الإنتاج الزراعي. والمفارقة هي أنه في حين أن التبعية الغذائية فادحة، إلا أن تونس تصدّر مجموعة متنوعة من المنتجات الزراعية مثل زيت الزيتون (ثاني أكبر مصدر في العالم) والحمضيات والتمور والخضار خارج موسمها… بالتالي، تواجه تونس حالة من التبعية الغذائية الهيكلية لا يمكن عزوها إلى الظروف “الطبيعية” (من ظروف المناخ، وطبيعة التربة، ونقص الموارد الزراعية…) إلا بشكل محدود جدًا.
يهدف هذا المقال إلى إظهار كيف تمٌ إرساء التبعية الغذائية بصورة طوعية وتطويرها (إنتاجها) منذ بداية العهد الاستعماري (نهاية القرن التاسع عشر).
1. التبعية الغذائية في تونس: طبق كسكس على اثنين “ينتج” في الخارج.
التبعية الغذائية بالأرقام: التصدير في سبيل الاستيراد
كشفت أزمة الغذاء العالمي لسنتي 2007 و 2008 عن غرابة السياسات المعروفة باسم “سياسات المزايا المقارنة“، وعن المخاطر الجدية التي تواجهها البلدان التي تنتهج هذه السياسات، ومنها تونس. إذ أن ارتفاع الأسعار العالمية بسرعة غير مسبوقة أدى إلى زيادة حادة جدًا في تكاليف الواردات الغذائية، حيث ارتفعت تكاليف الحبوب المستوردة إلى ثلاثة أمثال بين 2006 و 2008 ، من 599 مليون ديناء إلى 1438 مليون دينا ر (Akari et Jouili, 2010, 4–5). واضطرت تونس إلى خفض مستوى الواردات والدعم المخصص للمواد الغذائية عبر السبل المباشرة أو المقنعة من أجل التصدي إلى هذا الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية. فمنعت الحكومة بيع الخبز المدعوم (شطائر الخبز الكبيرة) بعد ساعة محددة لا يسمح من بعدها إلا صنع الخبز غير المدعوم (الباغيت…) وبيعه طوال ساعات النهار. بالتالي، فضلت السلطة تحديد الكمية الإجمالية للطحين المدعوم، وإدارة الطلب بدلًا من إدارة العرض، نظرًا لعدم قدرتها على رفع الأسعار خوفًا من تفعيل الحركات الاجتماعية التي تعيد إلى الذاكرة انتفاضة الخبز في يناير/كانون الثاني 1984 (أنظر ما يلي). أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن سياسات تحديد الأسعار والدعم تولي الأولوية إلى سكان المناطق الحضرية، وتحديدًا إلى المستهلكين الميسورين في هذه المناطق، حيث أن ما بين 12 و %13 فقط من الدعم يخدم الطبقات الشعبية مقابل 85 إلى %90 من الدعم الذي يصب في مصلحة المستهلكين الأكثر يسرًا.
كما تشير أحدث الأرقام المتوفرة إلى أن الحاجات السنوية من القمح (الصّلب واللين)، “بما في ذلك تلك التي يقتطعها المزارعون من إنتاجهم الخاص والأغذية الضرورية للتجديد المتواصل للمخزون الاستراتيجي السنوي الذي يضمن الحاجات الاستهلاكية لمدة تسعين يومًا“، تصل إلى 2,7 مليون طن كمعدل وسطي في السنة الواحدة (El Kadhi et al., 2014, 5-6). وتستورد تونس، %55 من الحبوب المستهلكة (%25 من القمح الصٌلب) من الخارج.
تحل الزيوت النباتية في المرتبة الثانية بعد الحبوب من حيث كمية الواردات الغذائية حيث تشكل في المتوسط 20 و %24 من مجمل الواردات الغذائية. في المقابل، لا بدّ من التذكير بأن تونس هي ثاني أكبر منتج وأحد أكبر البلدان المصدرة لزيت الزيتون في العالم. ومع ذلك، يفضّل صناع القرار تصدير الإنتاج المحلي من زيت الزيتون إلى الخارج واستيراد أنواع أخرى من الزيوت (التي تحمل عادة اسم زيت الحاكم أو زيت الحكومة) والتي تتمتع بخصائص غذائية رديئة ومذاق سيء جدًا، وهي على الأرجح ليست بريئة من المشاكل الصحية المختلفة التي تنتشر في البلاد (مثل السمنة المرضية والكوليستيرول وغيرها)، وذلك انطلاقًا من منطق تحقيق الأمن الغذائي الوطني من خلال إدارة الصادرات والواردات. ففي حين أن المستهلكين الأكثر يسرًا يمكنهم دومًا استهلاك زيت الزيتون الذي يفوق سعره قدرة الطبقات المتواضعة من السكّان، يلجأ الأكثر فقرًا إلى زيت الحاكم، وهو طبعًا النوع الأقل ثمنًا في السوق لكننا نجهل تمامًا ما هي تركيبته وأصوله ومزاياه…
الزراعة في الاقتصاد وسوق العمل
وفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء انخفضت نسبة للاستهلاك الذاتي من المزرعة من %25,5 في عام 1975 إلى %2,5 فقط في عام 2000 بالنسبة إلى الحبوب، ومن %42,7 إلى %15,1 بالنسبة إلى الحليب، ومن %19,1 إلى %4,4 بالنسبة إلى اللحوم، من %37,8 إلى %29,3 بالنسبة إلى زيت الزيتون، ومن %9,7 إلى %4 بالنسبة إلى الخضار الطازجة، ومن %15 إلى %2,4 بالنسبة إلى الفواكه (Jouili, 2008, 109). لا شكّ في أن تطوّر طرق الاستهلاك تترجم من خلال الزيادة أو الانخفاض في استهلاك المنتجات الغذائية المختلفة. بالتالي، يبدو أن استهلاك الحبوب في تونس قد انخفض من 576 غرامًا للفرد الواحد في اليوم في عام 1980 إلى 494 غرامًا في سنة 2000. لكن المقلق هو الارتفاع الكبير المرصود على مستوى استهلاك المنتجات الحيوانية وتحديدًا اللحوم والمنتجات الحليبية (Ati et al., 2005, 22).
لا شكّ في أن حصة القطاع الزراعي من الاقتصاد (على مستوى الناتج المحلي الإجمالي وسوق العمل) إلى تراجع متنام بحسب الإحصاءات المتوفرة. لكن، يجب الإشارة هنا إلى أن جزءًا كبيرًا من النشاط الزراعي يبقى غير منظم ولا يدخل بالتالي ضمن القياسات الإحصائية “التقليدية“. بالتالي، من “التهوّر” الثقة في البيانات الرسمية حصرًا في حين أنه من المعلوم أن العمل الزراعي الموسمي واليومي لا يصرح عنه دومًا أو يصرح عنه في حالات استثنائية جدًا. إضافة إلى ذلك، لا بد من توخي الحذر أيضًا نظرًا إلى أنه لا يوجد في تونس تعداد زراعي دوري. بالتالي، ليس كل البيانات المتوفرة بشأن حجم الأراضي الزراعية وعددها وطبيعة العمل الزراعي سوى اسقاطات بسيطة لنتائج المسوح الزراعية العشرية (1961-62, 1994-95 ,2004-05). ويفرض ذلك التقيد بعدد من المحاذير المنهجية الإلزامية.
على ضوء التذكير بما سبق وشرحه، تشير الإحصاءات المتوفرة إلى أن حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز %9,2 في عام 2016 في حين أنها كانت %20 في عام 1960، و%17,3 في عام 1970، و %14,13 في عام 1980, 14% في عام 1990، و %10,01 في عام 2000، و %7,54 في عام 2010، و %10,20 في عام 2015 (غانا 2012 ,3-2؛ اللومي 2006، 11). وقد ترافق هذا التراجع في حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي مع انخفاض فرص العمل في القطاع (مقارنة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى) منذ منتصف سبعينات القرن الماضي: من %37,24 في عام 1975 إلى %33,36 في عام 1980، و %17,57 في عام 2010، و %15,3 في عام 2013 و %14,9 في عام 12018.
2. قرن ونصف القرن تقريبًا من السياسات الزراعية في سبيل التبعية الغذائية
ليس واقع التبعية الغذائية في تونس وليد البارحة. بل يرجع إلى منتصف الحقبة الاستعمارية التي بدأت في عام 1881 وحتى إلى بداياتها وفقًا لقراءة محددة. في المقابل، تعزز الواقع تدريجيًا قبل الوصول إلى وضع الراهن. وتطبع مرحلتان مختلفتان هذا المسار الطويل من “بناء” التبعية الغذائية: 1) السياسات الزراعية الاستعمارية المطبقة من خلال الاستيلاء الأراضي لصالح المستعمرين والتخصص الزراعي الإقليمي في سبيل تزويد السوق الفرنسي والأوروبي بمنتجات مطلوبة محددة، وأخيرًا، التحديث التقني أو المكننة التي هدفت في الوقت عينه إلى تكثيف الإنتاج وتصريف منتجات الصناعة الفرنسية والاستبدال التدريجي لليد العاملة المحلية. 2) السياسات المعتمدة ما بعد الحقبة الاستعمارية: إصلاح الأراضي الزراعية والثورة الخضراء وتوسيع شبكة الري والتجربة الكارثية لتعاضديَات والتوجه النيو ليبرالي الأكيد في السياسات الزراعية المنفذة من خلال اعتماد برامج التكيف الهيكلي الزراعي.
الاستعمار الفرنسي اتسيطان للأراضي: نشأة الزراعة الرأسمالية
بناءً عليه، انطلقت عملية تطوير الأراضي الزراعية على نطاق واسع منذ بداية الحقبة الاستعمارية من خلال قيام سلطة الاستعمار بانتزاع أفضل الأراضي لصالح المستعمرين الفرنسيين والأوروبيين المدعومين بقوانين وضمانات “حمائية” فضلًا عن التسهيلات والمساعدات الإدارية والقانونية والمالية المحفزة جدًا. وفي عام 1885، أي بعد مرور 4 سنوات على بداية الاحتلال، اعتمدت السلطة الاستعمارية إصلاحًا عقاريًا فرض السجل العقاري وسهلت خصخصة الأراضي الزراعية بصورة قانونية (القانون العقاري) (بونسي، 1962) والاستيلاء الفردي على الأراضي لصالح المستعمرين الأروربيين. بالتالي، جرى تحويل مساحات واسعة من أفضل الأراضي الزراعية إلى حيازات زراعية استعمارية رأسمالية كبرى. كما عززت المكننة، التي جرى نشرها على نطاق واسع منذ بداية تسعينات القرن الماضي، الأبعاد الرأسمالية لهذه الحيازات الزراعية بشكل كبير. بهذه الطريقة، وانطلاقًا من رأس المال الاستعماري، تأسس في تونس قطاع زراعي منتج يتمحور حول محاصيل ثلاثة أساسية: زيت الزيتون في وسط البلاد وجنوبها، والكروم لإنتاج النبيذ في شمال البلاد وشرقها، والحبوب في شمال البلاد وغربها.
من جهة أخرى، أثّرت الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1930 على القطاع الزراعي الاستعماري في تونس بالقدر نفسه، نظرًا لأنها أنتجت مرحلة من عودة الصعوبات على مستوى الاقتصاد الاستعماري ككل في تونس. ويمكن الاعتبار كذلك، عن حق، أن هذه الأزمة قد أدّت على المستوى الهيكلي إلى تسريع العمليات المعقدة والواسعة القاضية بانتزاع الأراضي الزراعية الصغيرة من أصحابها لصالح كبار المزارعين، الأجانب والتونسيين. بالتالي، شهدت تونس خلال هذه الحقبة عمليات إغراق صغار الفلاحين وأصحاب الحيازات المتوسطة في الفقر المدقع بفعل الصعوبات المتنامية على مستوى الوصول إلى الموارد وسبل الإنتاج فضلًا عن تضييق سوق العمل (Mahjoub, A., 1987, 97). وقد جرت إعادة إحياء هذه العمليات المعقدة من استيلاء على الأراضي وإفقار وتهميش بشكل ملحوظ منذ الاستقلال في سنة 1956.
السياسات الزراعية ما بعد الاستعمار: المشروع “الحداثي” لبورقيبة يعتمد النموذج الاستعماري
غداة الاستقلال، كان يهيمن نموذجان أساسيان من الحيازات الزراعية على المشهد العقاري (الخارطة العقارية لتونس). وتلخص النموذجان بالحيازات الزراعية الاستعمارية أو “التونسية” الكبرى (800.000 هيكتار تقريبًا) والحيازات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة الحجم. وبرز كذلك وجود أراضي المشاعات (المشتركة) تحديدًا في المناطق التونسية الجافة، المخصصة عمومًا للرعي والتي تغطي نحو مليوني هيكتار من الأراضي موزعة على مناطق عدة، تحديدًا في الوسط والجنوب. وفي سبتمبر/أيلول 1957 ويوليو/تموز 1959، تغيّر النظام العقاري الخاص بالأراضي المشتركة بشكل جذري، وباتت هذه الأراضي “المشاع” مشرعة أمام الاستملاك الخاص.
في سنة 1964 (12 مايو/أيار)، صدر قانون تأميم الأراضي “الاستعمارية” وضمها إلى أراضي الدولة (Gachet, 1987, Hopkins, 1990) بدل إعادتها إلى ملاكها القدامى. بالتالي، وانطلاقًا من هذا التاريخ، “شملت تقريبًا أراضي الدولة أو الحكومة جميع الأراضي التي استرجعتها من الحبوس العامة فضلًا عما يقارب الـ 750.000 هيكتار التي كانت مستملكة سابقًا من جانب المستعمرين الأجانب (الفرنسيين والإيطاليين وإنجليز مالطا، والبلجيكيين، والسويسريين، والأميركيين). إلا أن بعض الملاك الخاصين قاموا “بشراء” جزء من الأراضي الاستعمارية (كانوا غالبًا من الأعيان المحليين والأعضاء النافذين في حزب الدستور أو رفقاء قدامى لبو رقيبة خلال مرحلة النضال من أجل الاستقلال، فضلًا عن بعض التجار وأصحاب المهن الحرة).
في المقابل، هدفت الإصلاحات العقارية إلى تعبئة موارد مالية جديدة لصالح القطاعات الاقتصادية الأخرى، منها القطاع الصناعي، والتي كانت تطمح السلطة الجديدة إلى تطويرها. وقد اعتبر أن ما من غنى عن هذا الانتقال من أجل تمويل السياسة الإنمائية القائمة على التنمية الصناعية وإنتاج السلع القادرة على استبدال الواردات.
تجربة تجميع الأرض (collectivisation) الدرامية:الإفتكاك وسيلة “مشروعة” في سبيل الحداثة
خلال أكثر من 120 عامًا من السياسات “الليبرالية” والنيو ليبرالية، عرفت السياسة الزراعية فترة تجميع الحيازات الزراعية وفقًا لنموذج الكولخوز السوفييتي في غضون سنوات قليلة خلال عقد الستينات في القرن الماضي. فشكلت صدمة ترسخت في عقول أبناء الطبقة الفلاحية بصورة مستدامة وأضعفت الزراعة الفلاحية الأسرية، وعززت بالتالي التبعية الغذائية للبلاد. إلا أن الأثر الأكبر تمثل تحديدًا بتجهيز الأرضية، بشكل موضوعي، للهجمة الإيديولوجية الليبرالية لأكثر من 50 عامًا من السياسات الزراعية النيو ليبرالية المتنامية العدائية والعداء تجاه الفلاحين، والتي غالبًا ما جرى تبريرها من خلال التلويح بفشل التجربة “الاشتراكية“. هكذا، شكل العقد ما بين ستينات وسبعينات القرن الماضي، والذي شهد على تطوير ما سمي وقتها بالتجربة الاشتراكية، الجماعية أو حتى التعاضدية، مرحلة مفصلية وحاسمة في عمليات تفكيك هيكليات النظم العقارية. وقد أدت هذه المرحلة التي أرادها صناع القرار وقتها، “بتوجيه” من أحمد بن صالح، عقدًا من “التنمية الموجّهة والمخططة“، والتي فرضتها الدولة على مجمل أنحاء البلاد، إلى نزع ما يملكه الفلاحون أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة من موارد محلية لصالح أصحاب الممتلكات الكبيرة، وتسبب من باب المفارقة بالتحرير الاقتصادي لجميع القطاعات، بما فيها قطاع الزراعة.
هكذا، نزعت ملكية الأراضي وسبل الإنتاج من عشرات الآلاف من الفلاحين أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة وأجبروا على الانخراط في التعاضديَات والمساهمة في تشكيلها من خلال إرفادها بالأراضي والقوى العاملة لقاء الحد الأدنى المقدم إلى أجير زراعي بالكاد. وفي سنة 1969، بلغ عدد أعضاء التعاضديَات الزراعية 37.000 عضوا في حين بلغت مساحتها الجملية أكثر من 600.000 هيكتار. وكانت نتيجة تشكيل التعاضديَات الزراعية مأساوية بالنسبة إلى عشرات آلاف الفلاحين الذين جردوا من سبل الإنتاج والأمن الغذائي، حتى السبل الدنيا منها (Poncet, 1970). بالتالي، التحق كثر “بساحات النضال ضد عدم المساواة في التنمية وبصفوف النازحين من الريف وموجات الهجرة التي راحت تتزايد خلال السنوات ما بين 1965 و 1969″(Gachet, 1987, 160).
التحرير الكامل للسياسة الزراعية التونسية: ثأر كبار الملاك والنخب الليبرالية
بعيدًا عن التخفيف من الآثار الكارثية لتشكيل الحيازات الجماعية، نتيجة لإعادة النظر في المشروع الذي أنشأه وطبقه بن صالح، والتخلي عنه بالكامل، والذي جرى استبداله بمشروع تحرير اقتصادي على نطاق واسع وبوتيرة متسارعة، إلا أنه لم يفض سوى إلى تسريع ديناميكيات التهميش الجماعية بحق السكان الريفيين والمزارعين.
يظهر هذا التغيير “الإيديولوجي” في الاستراتيجية الغذائية الذي تمثلت بالانتقال من مفهوم الاكتفاء الذاتي الغذائي إلى الأمن الغذائي في النصوص الرسمية، وتحديدًا في الخطط الخمسية منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي. بالتالي، نقرأ في الخطة الخامسة (1977–1981) ما يلي: “يقضي الهدف المحدد لقطاع الزراعة والثروة السمكية ببلوغ الاكتفاء الذاتي الغذائي المتمثل بالتوازن في الميزان التجاري للمنتجات الغذائية بحلول العام 1981″. في المقابل، أدرجت الخطة السابعة (1987–1992) بوضوح السياسة الزراعية تحت المفهوم الجديد القاضي بتحقيق الأمن الغذائي: “لا يمكن إغفال مستويات الإنتاج في قطاع الحبوب نظرًا إلى أهمية هذا القطاع على مستوى الأمن الغذائي للبلاد“ (Khaldi and Naili, 1995, 94).
عندما اعتمدت الحكومة التونسية في ديسمبر/كانون الأول 1983، سلسلة من الإجراءات القاضية بتحرير التداول السوقي لعدد كبير من المنتجات وخفض مستوى الدعم المقدم إلى فئات عدة من المنتجات، ارتفعت أسعار الكثير من المنتجات الغذائية بشكل حاد، حيث ارتفع سعر الخبز (700 غرام) من 0,080 دينار إلى 0,170 دينار (ارتفاع من 80 إلى 179 مليمًا)، فيما ارتفع سعر السميد من 7.2 دينار إلى 13.5 دينار لكيس الخمسين كلغ. وسرعان ما اجتاحت المظاهرات العفوية الشوارع في مختلف أرجاء البلاد وتحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوى حفظ النظام. كانت حصيلة المواجهات في الثالث من يناير/كانون الثاني 1984 وحده مأساوية: 60 قتيلًا وأكثر من 100 جريح. وقد شهدت الأيام التالية على سقوط عدد إضافي من الضحايا. ولم يعد الهدوء إلى الشوارع إلا في السادس من يناير/كانون الثاني عندما ألغى بورقيبة التدابير التي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية (Daoud, 2011 ; Bachta, 2011).
استوجب الوضع إذًا ضغطًا مزدوجًا من خلال المظاهرات الشعبية، على المستوى الداخلي، ومن خلال المؤسسات المالية الدولية، على المستوى الخارجي، كي تقرّر السلطة في عام ١٩٨٦ اعتماد برنامج تكييف هيكلي أدى إلى التحرير السريع لجميع الأسواق وتراجع قيمة الدينار التونسي بهدف تعزيز القدرات التصديرية للبلاد والخفض التدريجي لدعم الأسعار من أجل التخلص نهائيًا من الدعم في نهاية المطاف (Bachta, 2011, 11). في إطار هذه السياسة الجديدة من التكييف الهيكلي، حصل القطاع الزراعي على معاملة خاصة ضمن برنامج التكييف الهيكلي الزراعي (Jouili, 2008, 175) من أجل إعادة التوازن إلى الميزان التجاري الزراعي الغارق في العجز، والحد من ارتفاع تكاليف إعادة إنتاج اليد العاملة وتحفيز الإنتاج الزراعي الوطني من خلال الاستثمار الخاص تحديدًا فضلًا عن الاستثمار العام، إضافة إلى زيادة حصة الزراعة من مجمل الاستثمارات (Jouili, 2008, 188 ; Boughanmi, 1995, 128).
تبيّن الأهداف المحددة انتظامًا نسبيًا: تدعيم اندماج القطاع الزراعي في النسيج الاقتصادي الوطني، ما يعني تكثيف وتنويع العلاقات القائمة بين القطاعات الصناعية في مراحل الإعداد كما في مراحل التنفيذ (تدعو الحاجة إلى إجراء “تحول صناعي” في قطاع الزراعة كما إلى فرض “التطور الحضري” على المجتمع الريفي)؛ فضلًا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وهو شرط حيوي من شروط الاستقلال الوطني؛ والمساهمة في توليد فرص العمل التي تعظّم المقدرات المادية وتحديدًا الموارد المائية المحشودة بدعم كبير من خلال الاستثمارات الحكومية؛ وإنتاج فوائض قابلة للتصدير؛ والمساهمة في تعزيز التوازن المناطقي والاجتماعي (Gachet, 1987, 154-155).
3. التبعية الغذائية؛ انعدام المساواة في الحيازات؛ انعدام المساواة المائية
انعدام المساواة في الحيازات
في تونس، كما في غيرها من البلدان، تترجم التبعية الغذائية التي تنتج من خيار سياسي لصالح الزراعة المكثفة والحديثة الموجهة تحو التصدير، من خلال دينامية المضاربة في سوق الحيازات نتيجة لعملية تراكم الحيازات بفعل الإفتكاك (la dépossession Harvey, 2003). ولطالما قضى الهدف الأساسي من جميع السياسات المنتهجة منذ بداية عهد الاستعمار حتى غداة سقوط النظام الديكتاتوري لبن علي، بخفض عدد الحيازات الصغيرة small farms التي اعتبرت عائقًا اجتماعيًا واقتصاديًا، وبزيادة حصة كبار الملاك والمزارع الإستثمارية الكبرى. وفي ظل غياب الإحصاءات الزراعية في تونس، تظهر الدراسات التي تقوم بها وزارة الزراعة والموارد المائية كل عشر سنوات منذ بداية ستينات القرن الماضي، استدامة مواطن انعدام المساواة هذه خلال العقود الستة الماضية. كما تبيّن الأرقام القليلة المدرجة فيما يلي حجم الجور والظلم في توزيع الحيازات وأحد أوجه (السبب والأثر) التبعية الغذائية في مجمل أنحاء البلاد.
– ارتفع عدد الفلاحين الذين يملكون أقل من 5 هيكتارات إلى أكثر من الضعف خلال هذه المدة فانتقل من 133.000 فلاح في عام 1961–62 إلى 251.000 في سنة 1994–1995 وإلى 281.000 في سنة 2004–2005. في المقابل، لم تتقدم حصة هذه الفئة من مساحة الأراضي الزراعية إلا بشكل متواضع جدًا من 318.000 هيكتارًا إلى 471.000 هيكتارًا و 556.000 هيكتارًا وفقًا للتواريخ المذكورة على التوالي.
– في حال ركزنا على الفئة التي تملك أقل من 20 هيكتارًا، فإن العامل الأبرز هو تطوّر المساحة المتوسطة للأراضي المزروعة من 6,43 هيكتارًا للفرد الواحد في سنة 61-62 إلى 5,07 هيكتارًا في سنة 94–95 وإلى 4.93 هيكتارًا في سنة 2004–2005، في حين أن العدد الإجمالي للمزارعين المشمولين في هذه الفئة قد ارتفع من 270.000 في سنة 61–62 إلى 414.000 في سنة 94–95 وإلى 461.400 في سنة 2004–2005.
– أما بالنسبة إلى الحيازات التي تتجاوز مساحتها العشرين هيكتارًا، فيبدو الاتجاه العام متناغمًا نسبيًا: إذ أن عدد الحيازات (الموكلة إلى هذه الفئة) أقل، تحديدًا مقارنة مع العدد الإجمالي، ومع متوسط المساحة للفرد الواحد. إجمالًا، تجدر الإشارة إلى أن المزارعين والمنتجين الزراعيين الذين يملكون أكثر من 20 هيكتارًا لم يشكلوا في سنة 2004–2005 سوى %10,9 من العدد الإجمالي، على مستوى الفئات كلها، إلا أنهم يملكون %56,6 من المساحة الزراعية الإجمالية، في حن أنهم شكلوا %17,1 من العدد الإجمالي في سنة 1961–1962 وكانوا يملكون %57 من المساحة الإجمالية.
– في حال اعتبرنا الملكيات الصغرى والكبرى، تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الذين يملكون أقل من 5 هيكتارات في سنة 2004–2005 كانوا يشكلون %54 من عدد المزارعين والمنتجين إلا أنهم لم يملكوا سوى %11 من مجمل مساحة الأراضي الزراعية. وفي السنة نفسها، شكّل هؤلاء الذين يملكون أكثر من 100 هيكتار %1 من العدد الإجمالي في حين أنهم امتلكوا %22 من المساحة الزراعية الإجمالية.
– تجدر الإشارة كذلك إلى أن المساحة الزراعية المتوسطة المتوفرة للفرد الواحد قد انخفضت إلى النصف بين 1961–62 و 1994–95 أي من 1,2 هيكتار إلى 0,6 هيكتار للمواطن الواحد. وفي سنة 2004–2005، تراجع المعدل الوسطي بصورة أكثر اعتدالًا حيث بلغ التراجع 0.5 هيكتار للمواطن الواحد (MARH, 2006 ; Elloumi, 2006, 8).
المياه، هدف من أهداف الإفتكاك؛ وسبيل إلى الإقصاء
يعرف القرن العشرين في تونس بأنه قرن القطاع المائي الذي بدأ مساره التنموي خلال الحقبة الاستعمارية. إذ جرى منذ البداية، تشبيك الأراضي الزراعية المتصلة بأحد المصادر المائية بشبكة الري، تحديدًا على طول وادي مجردا. إلا أن توسيع المساحات المروية لم يبدأ بوتيرة متسارعة ملحوظة إلا في بداية ستينات القرن الماضي. وفي حين أن هذه المساحات الزراعية المروية ,التي لم تكن تغطي سوى 65000 هيكتار من الأراضي تقريبًا في وقت الاستقلال، باتت الآن تغطي أقل قليلاً من نصف مليون هيكتار (Dubois et al., 2012, 29). هكذا، تضاعفت المساحة المروية إلى أكثر من ثمانية أمثال بين ستينات القرن الماضي والحاضر. وهذا إنجاز لا شك فيه يسجل في رصيد الخبراء والمهندسين ولصالح الحداثة المزعومة. أمّا على المستوى الإيكولوجي والاجتماعي، فإنجازات الميدان أقل جلاءًا بكثير. إذ أن الجانب السلبي الأكبر يتمثل على الأرجح بانعدام المساواة التي فرضتها الشروط المالية و/أو المادية (وحتى الاجتماعية) المتصلة بالوصول إلى مياه الري (ناهيك عن مياه الشرب) والذي جاء ليفاقم انعدام المساواة على مستوى توزيع الحيازات الذي فصلناه فيما سبق.
بالتالي، يكشف توزيع الحيازات المروية بدوره، على مستوى العدد والمساحة، انعدام المساواة الحاد في الوصول إلى مياه الري. إذ تشمل الحيازات المروية التي تتراوح مساحتها بين 10 و 50 هيكتارًا %33 من المساحات المروية، مقابل %15,9 من المساحات المروية بالنسبة إلى الحيازات الكبيرة التي تبلغ مساحاتها 100 هيكتار وأكثر. بالتالي، تشمل الحيازات التي تتجاوز مساحتها 10 هيكتارات نصف المساحات المروية تقريبًا لوحدها (%48,9)، في حين أن الحيازات التي تقل مساحتها عن 5 هيكتارات (%54 من العدد الإجمالي للحيازات) لا تضم سوى %16 من المساحة المروية الإجمالية (MARH, 2006).
بناءً عليه، من خلال إضافة انعدام المساواة على المستوى المائي إلى انعدام المساواة على مستوى الحيازات، يظهر جليًا الخيار الواضح المتخذ والقاضي بتطبيق نهج زراعي رأسمالي ومكثف موجه علنيًا نحو تصدير المنتجات خارج موسمها وثمار الموسم (خضروات وحمضيات وفواكه أخرى)2 والمنتجات المطلوبة تحديدًا في الأسواق الدولية (تحديدًا زيت الزيتون والتمور وغيرها) والتي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
إلى جانب المضار البيئية المتعددة، ومنها استخدام المبيدات وغيرها من الأسمدة الكيميائية بصورة مكثّفة، واستغلال المعادن واستخراج المياه المطلوبة للري، ما يتسبب باستنفاد هذا المورد وارتفاع معدلات الملوحة في التربة وطبقات المياه الجوفية، يفاقم هذا النموذج الزراعي الرأسمالي التبعية الغذائية للبلاد ويزيد من إفقار سكّان الريف والفلاحين. وتونس، التي لا تملك أي قدرة على التأثير في السوق الغذائي العالمي، تخلت بكل بساطة من خلال خيارها القاضي باعتماد زراعة قائمة على التصدير، عن سيادتها الغذائية وحتى عن سيادتها السياسية. ويثبت ذلك من خلال الأرقام الخاصة بالتبعية الزراعية والغذائية التي عرضنا بعضًا منها فيما سبق.
في المقابل، وكما يظهر بصورة دامغة تحديدًا في منطقة سيدي بو زيد، لا يترجم مسار التنمية المتبع من خلال هذه الزراعة المكثفة القائمة على الري وإنتاج الثمار الموسمية من خلال أي تنمية اجتماعية محلية. وبين سنة 1980 و2010–11، استقطبت منطقة سيدي بو زيد المعروفة بسهوبها وطبيعتها الجافة، والواقعة في وسط الجنوب التونسي، الحصة الأكبر من الاستثمارات الزراعية الخاصة والعامة التي بلغت مبالغ طائلة من المال. ومن خلال قرار الحكومة القاضي بتحويل هذه المنطقة إلى قطب مركزي للتنمية الزراعية القائمة على استخدام المياه الجوفية وتركز هذا القدر الهائل من الاستثمارات فيها، انتقلت سيدي بو زيد من أسفل الترتيب لتصبح المنطقة الأولى للإنتاج الزراعي في تونس. إلا أن ترتيبها على مستوى معدل الفقر لم يتغيّر وهي عالقة منذ عقود بين المناطق الثلاث الأكثر فقرًا مع تسجيل معدّل بطالة يتجاوز الـ %30 من القوى العاملة. وسيدي بو زيد، مسقط رأس محمد بو عزيزي الذي أضرم النار في نفسه في يوم الـ 17 من ديسمبر/كانون الأول 2011 الشهير، ليطلق عن غير قصد عدّاد الأيام الأخيرة لديكتاتورية بن علي، ما زالت تقتات من المنتجات التي تأتيها من مناطق أخرى في تونس أو من الخارج. هو حدث لا يقل شأنًا عن العلاقة القائمة بين التبعية الغذائية المحلية والمصير المظلم لهذا الرجل الذي بات رمزًا (رغمًا عنه) للثورة التونسية.
الخلاصة
في هذه المرحلة من التفكير وإعادة استعراض السياسات الزراعية المطبقة في تونس خلال الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين بداية الحقبة الاستعمارية وأيامنا، يبدو لي من الواضح جدًا، أن التبعية الغذائية، بعيدًا عن كونها أزمة ولدتها الظروف الراهنة الناتجة من التطورات الوطنية أو الدولية المحدودة في الزمان والمكان، هي نتاج لسياسة طوعية قضت بحصر القطاع الزراعي ضمن علاقة من التبعية التامة والعضوية تجاه السوق الزراعي والنظام الغذائي العالميين الخاضعين لنفوذ القوى الزراعية والاقتصادية الصناعية. وقد بدأ هذا المسعى لبناء التبعية الغذائية منذ بداية الحقبة الاستعمارية (1881–1956) علمًا أنه مستمر منذ الاستقلال.
كان خيار الدولة المستقلَة حديثا القاضي باعتماد النموذج الاستعماري وليدة المشروع “الحداثي” الذي تبناه القادة السياسيون وقتها والذين “استملكوا” الدولة الجديدة ما بعد الاستعمار. هكذا، صرح بو رقيبة، الرئيس الأول للبلاد، في أكتوبر/تشرين الأول 1964، “… لنستفيد مما في الأرض من مقدرات، لا بد من تسخير التقنيات المعاصرة… تجربة المستعمرين الفرنسيين القدامى حاضرة لنعتبر منها في بناء أنفسنا” (Gachet, 1987, 155). هكذا، جرى ترسيخ المرجعية وتقرر الإبقاء على النموذج الاستعماري وتدعيمه حتى أيامنا هده. ليست التبعية الغذائية للبلاد سوى النتيجة المباشرة والأكثر ظهورًا لهذا النموذج. فهي النتيجة الموضوعية والتعبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإيكولوجي لهذا النموذج. لن تكون السيادة الغذائية ممكنة إلا بقطع صلة الرحم مع النظام الاستعماري الجديد.
قائمة المراجع
Akari, T., Jouili, M., 2010. « La transmission des effets de la crise alimentaire sur les dépenses de compensation : cas de la Tunisie ». Presented At The Joint 3rd African Association Of Agricultural Economists (AAAE) And 48th Agricultural Economists Association Of South Africa (AEASA) Conference, Cape Town, South Africa.
Ati, J. El, 2005. Profil nutritionnel de pays: république tunisienne. FAO. Rome.
Bachta, Mohamed, S., 2011. « La céréaliculture en Tunisie : Une politique de régulation à repenser. ». In Les notes d’analyse du CIHEAM. No. 64. Paris CIHEAM. 1–18.
Boughanmi, H., 1995. « Les principaux volets des politiques agricoles en Tunisie : évolution, analyses et performances agricoles ». In Allaya M., Les agricultures maghrébines à l’aube de l’an 2000, Options Méditerranéennes. Série B. Etudes Et Recherches. Montpellier. pp. 127–138.
Daoud, A., 2011. « La révolution tunisienne de janvier 2011 : une lecture par les déséquilibres du territoire ». in. EchoGéo. http://echogeo.revues.org/12612 . 2–13.
Dubois, G., Missaoui, R., Ceron, J.P., Cauchy, A., Belhouane, M.H., Bachta, M.S., Meddeb, S., Nasr, Z., 2012. Stratégie nationale sur le changement climatique. Rapport De La Stratégie. Ministère De l’Environnement & GIZ. Tunis.
Elloumi, M., 2006. Agriculture et monde rural tunisiens dans le contexte de la mondialisation. Oral presentation at « Méthodes et théories des sciences sociales », Tunis, pp. 1–29.
Gachet, J.P., 1987. « L’agriculture : discours et stratégies », In: Camau ., 1987. Tunisie au présent ; une modernité au-dessus de tout soupçon ? Nouvelle Edition [En Ligne]. Aix-En-Provence : Institut De Recherches Et d’études Sur Le Monde Arabe Et Musulman (420 Pages Imprimes). pp. 149–188. Disponible En Ligne : <Http://Books.Openedition.Org/Iremam/2539>. Isbn : 9782271081278. Pp 420 (Imprimées) & 351 (En Ligne).
Gana, Alia, 2012. Les inégalités socio-territoriales aux origines de la révolution tunisienne : défis du développement, enjeux pour la recherche. Hypothèses. Les carnets de l’IRMC. https://irmc.hypotheses.org/226.
Harvey, D., 2003. The New Imperialism, Oxford, Oxford University Press.
Hopkins, N.S., 1990. Agricultural Labor And Technological Change In Tunisia., In: Labor And Rainfed Agriculture In West Asia And North Africa,. Dennis Tully, Pp. 253–271.
Jouili, M., 2008. Ajustement structurel, mondialisation et agriculture familiale en Tunisie. Thèse de doctorat en économie. Université De Montpellier 1, Montpellier.
El Kadhi, Zouhair, ; Hentati, Mohamed Adel, And El Amri, Sadok, 2014. ‘Les enjeux de la sécurité alimentaire en Tunisie’. Docoument de travail No 4. Tunis. Tunisian Institute for Strategic Studies.
Khaldi, R., Naïli, A., 1995. « Analyse des politiques de la sécurité alimentaire en tunisie ». In : Padilla M. (Ed.), Le Bih An G. (Ed.). La sécurité alimentaire en Méditerranée. Options Méditerranéennes Séminaires Méditerranéens. Montpellier : CIHEAM, 91–109.
Mahjoub, A.. 1987. « Economie et societe : la formation du « sous-developpement » : L’evolution socio-economique de la tunisie precoloniale et coloniale ». In: Camau M, 1987. Tunisie au présent ; une modernité au-dessus de tout soupçon ? Nouvelle Edition [En Ligne]. Aix-En-Provence : Institut De Recherches Et d’études Sur Le Monde Arabe Et Musulman (420 Pages Imprimes). pp. 82-99. Disponible En Ligne : <Http://Books.Openedition.Org/Iremam/2539>. Isbn : 9782271081278. Pp 420 (Imprimées) & 351 (En Ligne).
MARH, 2006. Enquête sur les structures des exploitations agricoles 1961/62 1994/95 et 2004/05.
Poncet, J., 1970. « L’économie Tunisienne Depuis l’indépendance », In: Annuaire De l’Afrique Du Nord. Centre National De La Recherche Scientifique; Centre De Recherches Et D’études Sur Les Sociétés Méditerrannéenes (CRESM), Paris, pp. 93–114.
Poncet Jean, 1962. La colonisation et l’agriculture européenne en Tunisie depuis 1881, Paris, Mouton, 1962.
ملاحظات
1 المصادر: المعهد الوطني للإحصاء: http://www.ins.nat.tn/fr/themes/emploi. تاريخ زيارة الموقع، 3 مايو/أيار 2019.
2 حظيت شخصيًا بفرصة تذوق البطيخ والشمام في الجنوب التونسي في نهاية شهر مارس/آذار 2019. عمومًا، ليس من النادر أن نرى في المتاجر الكبرى في فرنسا في شهر أبريل/نيسان العنب الموسمي المتأتي من الجنوب التونسي.
ملتقى علمي للباحثين حول الزراعة و البيئة والعمل في العالم العربي
العنوان الالكتروني : info@athimar.org & editorial@athimar.org
موقع الإنترنت : www.athimar.org
مرصد السيادة الغذائية والبيئة
العنوان الالكتروني : osae.marsad@gmail.com
موقع الإنترنت : www.osae-marsad.org