أزمة الغذاء الحالية:
أو عندما تذكرنا الحرب في أوكرانيا بالتبعية الغذائية الهيكلية في تونس**

حبيب عايب1

أمي، التي ولدت في أوائل العقد الأول من القرن الماضي ورحلت منذ ما يزيد قليلاً عن ثلاثين عامًا، كانت تكره الأرز. كان يذكرها بـ "عام الرّوز" أو بعام الأرز. كانت تشير إلى فترة الجفاف الكبير في الأربعينيات (1939-1947) التي وزع خلالها الجيش الألماني الأرز للحد من انتشار المجاعة في المنطقة الجنوبية الشرقية، على أمل الحصول بالتأكيد على تعاون السكان المحليين، وكانت المنطقة منعزلة ومحرومة من الطعام بسبب الجفاف ولكن بشكل خاص من قبل السياسيين في ذلك الوقت الذين رأوا في هذه المنطقة مصدرا للاضطراب ومكان للتمرد. نحن نعلم أن جميع المجاعات الكبرى في العالم هي نتائج للسياسات المهيمنة أكثر من الآثار المباشرة للأخطار المناخية. المجاعات تعود إلى "الأمراء" أكثر منها إلى السماء. أمي التي لم تذهب إلى المدرسة من قبل، كانت تقول دائمًا "شكون متلفّتلنا؟ (من يهتم بنا؟) لاستنكار غياب خدمات الدولة ومساعدتها (خلال فترة الاستعمار3 وحتى بعد الاستقلال).

تتميز الأزمات عمومًا بكونها أحداثًا تكشف عن مشاكل محددة أو هيكلية يتم التقليل من شأنها أو تجاهلها إلى أن يأتي اليوم الذي تلتهب فيه الشرارة التي تجذب انتباه المراقبين وصناع القرار.

في الأربعينيات من القرن الماضي، كانت الشرارة هي الجفاف الطويل الذي أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج الزراعي وأهلك قطعانا بأكملها. كتب ليبيدي2 (1955) حول ذلك قائلا: "خلال الجفاف في الأربعينيات من القرن الماضي، انخفض إنتاج القمح الصلب بنسبة 45 إلى 60٪ مقارنة بإنتاج أواخر الثلاثينيات (والتي تعتبر نسبة بين المتوسطة والجيدة من حيث هطول الأمطار)، وكانت نسبة الانخفاض في إنتاج الشعير تناهز 50٪. انخفض أيضا إنتاج زيت الزيتون في عام 1947 بنسبة 78٪ مقارنة بعام 1939. وكانت الخسائر في قطاع الإنتاج الحيواني هائلة إذ أن حالة البؤس الفسيولوجي للحيوانات سببت العديد من حالات الإجهاض وأنواعا مختلفة من الحمى وارتفاعا في معدل الوفيات. انخفض عدد رؤوس الأغنام من أكثر من 3.670.000 في بداية الأربعينيات إلى 2.976.000 في عام 1945 و 1.587.000 في عام 1948 "3. بالتالي، وفي غياب الدعم من السلطات، شهدت المناطق المعزولة والفقيرة، ولا سيما في الجنوب، أوضاعًا صعبة للغاية.

منذ الجفاف الكبير في الأربعينيات من القرن الماضي، ميزت التقلبات المناخية، بين فترات الجفاف الطويلة والفيضانات الكارثية، التاريخ الحديث للبلاد بالتوازي مع "المخاطر" السياسية والجيوسياسية والاقتصادية الأخرى التي لم يكن تأثيرها أقل على حياة الناس اليومية والوضع العام في البلاد. هذا هو الحال اليوم، مع الأزمة الجيوسياسية الأخيرة في أوكرانيا والتي اتخذت شكل حرب مفتوحة مع الجيش الروسي منذ 24 فيفري 20224. في حالة الحرب، لم تعد أوكرانيا قادرة على الوفاء بتزويد الدول بالقمح وهي التي تعتبر "مطمور أوروبا" من خلال تصديرها كميات كبيرة من الحبوب وخاصة القمح إلى جميع أنحاء العالم والتي توفر حوالي 80 ٪ من واردات تونس من الحبوب. كان رد فعل سوق الحبوب العالمي سريعًا وارتفعت أسعار هذه الأطعمة الأساسية في غضون أيام قليلة فقط. وهكذا، ارتفع سعر طن القمح في السوق العالمية من حوالي 400 دولار أمريكي للطن إلى ما يقرب من 600 دولار للطن5 أي زيادة بنسبة تفوق 50٪ وكل الأمور تشير إلى أن سقف أسعار القمح مازال عاليا. بالتالي، لم يعد المُورد الرئيسي غير قادرًا على ضمان صادراته فقط، بل أن ارتفاع متوسط ​​الأسعار في السوق العالمية يقلل بشكل خطير من القدرات الشرائية لتونس التي يجب أن تجد الميزانية اللازمة والموردين الجدد الذين لا يترددون في المضاربة على الأسهم العالمية والأسعار. كانت عواقب هذا الوضع على تونس شبه فورية: في غضون أيام قليلة فقط، وجدت تونس نفسها في مواجهة أزمة غذاء حقيقية ناجمة عن حدث جيوسياسي دولي كبير.

والنتيجة هي نقص في العديد من المنتجات الغذائية الأساسية (مثل الدقيق والسميد والبيض والزيوت المدعومة وغيرها) وزيادة خطيرة في الأسعار، والتي تأتي على رأس الصعوبات الاقتصادية المتسببة في تزايد الأزمة الاجتماعية على أبواب شهر رمضان. عانت البلاد من هذه الصعوبات منذ عدة سنوات حيث أثقلتها الديون وهجرها المستثمرون والسياح. وصل الفقر إلى مستويات قياسية كما تنتشر البطالة الهائلة بين نسبة كبيرة من الشباب، بما في ذلك حاملي الشهائد الجامعية. لذلك فإن الأزمة متعددة الأبعاد ومعقدة للغاية.

يتذكر غالبية التونسيين الذين تزيد أعمارهم عن الأربعين وحتى الأصغر سنًا (عن طريق النقل الشفوي أو الكتابي) أحداث انتفاضة الخبز التي اندلعت في عام 1984 عندما كادت البلاد أن تشتعل، بعد قرار الحكومة التونسية في ذلك الوقت، بدفع وتشجيع من المؤسسات المالية الدولية، بخفض دعم المنتجات الغذائية الأساسية بشكل كبير مما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار. لعدة أيام في جانفي 1984، اجتاحت المظاهرات شوارع المدن الرئيسية في البلاد وأثارت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن. تطلب الأمر كل شجاعة وقيادة الرئيس بورقيبة الذي لم يتردد في التنصل العلني من حكومته وطالب بالعودة إلى الأسعار التي كانت سائدة قبل الاضطرابات حتى يعود الهدوء6. اليوم، جميع المكونات موجودة من أجل "إعادة صنع" أحداث عام 1984، خاصة وأن الأزمة تأتي قُبيْل شهر رمضان حيث يزداد الطلب بشكل تلقائي تقريبًا ويتم اختبار "أعصاب" المستهلكين بشدة. ولكن حتى لو كانت فرضية الانفجار الوشيك "لأحداث الخبز" الجديدة ليست حتمية، فإن السياق السياسي والاجتماعي يكاد لا يشترك في أي شيء مع ما كان عليه في الأعوام 1983-1984 وعليه فمن واجب السلطات العامة التصرف بشكل عاجل لمنع تفاقم الوضع.

لا يتردد البعض في اللعب على الخوف المشروع لدى جزء من السكان ومحاولة إقناع الناس بأن البلاد مهددة بمجاعة وشيكة7. في أحسن الأحوال، هذا جهل مطلق بالقضايا الداخلية والخارجية، وفي أسوئها، مناورة سياسية معروفة وبغيضة. لذلك دعونا نكن دقيقين وواضحين: تونس لا تخاطر بتجربة حالة مجاعة، فقط لأن مثل هذا الوضع يمكن أن يتحول إلى مركز رئيسي لزعزعة الاستقرار الإقليمي في كل من جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط: الاضطرابات والعنف والنزوح الجماعي وموجات الهجرة غير النظامية عبر الحدود البرية والبحرية إلى السواحل الشمالية. في مواجهة مثل هذه المخاطر، لا تستطيع القوى الغربية والدول المجاورة، مثل الجزائر، السماح بنيران جديدة على حدودها وستبذل قصارى جهدها لتجنب ذلك. من المسلّم به أننا لن نرى عودة الجنود الألمان بأكياس الأرز الخاصة بهم كما في الأربعينيات، لكن خطر المجاعة سيؤدي تلقائيًا إلى تعبئة دولية لتقديم مساعدات غذائية مباشرة أو غير مباشرة. لكن الثمن الذي يجب دفعه سيكون باهظًا للغاية: خسارة كاملة لسيادة البلاد.

ومع ذلك، إن بدا لي خطر المجاعة مستبعدًا تمامًا، فمن المرجح أن تستمر الأزمة لفترة طويلة ويمكن أن تتكرر مع كل حدث جيوسياسي أو اقتصادي أو مناخي كبير. عندما نعتمد على الآخرين في الغذاء، كما هو الحال في تونس، فإننا نخضع تلقائيًا ليس فقط لخياراتهم واستراتيجياتهم ولكن أيضًا للعواقب المباشرة أو غير المباشرة للصعوبات والأزمات التي يواجهونها. وبالتالي، فإن ما يجب ملاحظته وتحليله من أجل تقديم إجابات للأزمة الحالية لا يقتصر على الأسباب المباشرة (على المدى القصير جدًا) ولكن يمتد إلى الجذور الهيكلية والعميقة (المدى المتوسط ​​والطويل).

يعرض الرسم البياني والجدول أدناه نظرة ثاقبة دقيقة إلى حد ما لمدى تبعية تونس الغذائية وخاصة تزايدها بمرور الوقت.

الجدول 1. القمح (الصلب واللين) في تونس 1961 – 2019

 

مجموع السكان
(مليون)

مساحات
(هكتار)

الإنتاج
(مليون طن)

الإنتاجية كجم/هكتار

الواردات
(مليون طن)

1961

4,238141

850000

0,465

5471

0,366894

1965

4,547941

1000000

0,8

8000

0,179118

1970

5,063805

900000

0,519

5767

0,425820

1975

5,656912

950000

0,935

9842

0,249421

1980

6,37404

853000

0,869

10188

0,648408

1985

7,32959

1033000

1,38

13359

0,487013

1990

8,24251

882000

1,122

12721

0,897618

1995

9,12540

415350

0,5308

12780

1,652381

2000

9,708347

718000

0,842

11727

1,385025

2005

10,106778

961500

1,6267

16918

1,132924

2010

10,635245

434400

0,822

18923

1,914864

2015

11,179951

652530

0,91257

13985

1,953860

2019

11,694721

643000

1,44

22395

1,848993

المصادر: البنك الدولي للسكان و إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة(FAOSTAT).

عندما نعتمد على سنة 1961 كنقطة انطلاق بحساب قاعدة 100 لكل المؤشرات (وذلك وفقا للمعطيات المتاحة (6) على موقع FAOSTAT والبنك الدولي) فإننا نلاحظ تباعدا كبيرا بين النمو الديمغرافي وواردات القمح وذلك خلال المدة كاملة وخاصة انطلاقا من سنة 19789. رغم ذلك، فإننا نعلم أن معدل استهلاك القمح والحبوب10 بالنسبة للفرد قد انخفض بشدة خلال الثلاثين سنة المنقضية. يحيل هذا الفرق إلى أن كمية كبيرة من الواردات لا يتم توجيهها للاستهلاك البشري. إذا علمنا بأن الإنتاج بصفة عامة يتبع النمو الديمغرافي مع بعض التغيرات الهامة خاصة تلك المتعلقة بالمخاطر المناخية، فإن مسألة الفرق بين الواردات المتصاعدة والحاجة الحقيقية التنازلية تبقى ذات شأن.

قد يكون التفسير الأول المحتمل هو حقيقة أن جزءًا من القمح المستورد يُفقد بسبب ظروف التخزين السيئة، بينما يستخدم جزء آخر في تصنيع المكونات الغذائية (المركّزة) المخصصة للإنتاج الحيواني الصناعي أو التربية التكثيفية للحيوانات11 والتي تطورت بقوة خلال نفس الفترة (منذ الستينيات). يمكن للمرء أيضًا أن يتساءل، بشكل مشروع تمامًا، عما إذا كانت هذه التناقضات لا تكشف في الواقع عن مضاربات تجارية تؤثر إما على البيانات الجمركية للكميات المستوردة أو قنوات التسويق.

بعد الحبوب، تعتبر الزيوت النباتية ثاني أكبر عنصر غذائي مستورد بمتوسط ​​20 إلى 24٪ من إجمالي هذه الواردات الغذائية. ومع ذلك، فإن تونس هي ثاني أكبر منتج وأحد أكبر مصدري زيت الزيتون في العالم. ولكن في منطق التصدير/الاستيراد المفترض لضمان الأمن الغذائي الوطني، يفضل صانعو القرار تصدير زيت الزيتون المنتج محليًا واستيراد زيوت أخرى (تسمى غالبًا زيت الحاكم أو الزيت الحكومي) ذات الخصائص الغذائية والذوقية المتواضعة جدًا وربما أيضا لها علاقة لها بالمشاكل الصحية المختلفة التي تعاني منها البلاد (السمنة، الكولسترول، إلخ).

علاوة على ذلك، فإن السياسة الزراعية المتبعة لعقود من الزمن هي أيضًا إلى حد كبير أصل إفقار الفلاحين المعمم، الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى زيادة الإنتاج للسوق أكثر من الاستهلاك الخاص بهم وممارسة أنشطة متعددة باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتكملة دخلهم والهروب، ولو بشكل طفيف، من الفقر المدقع. يشهد على ذلك عنصران: حصة الاستهلاك الذاتي من المنتجات الغذائية والظلم العقاري الذي يعاقب صغار المزارعين.

وفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء، بحسب مصطفى الجويلي (2008، 109)12، انخفض متوسط ​​نصيب الاستهلاك الذاتي للمنتجات الغذائية من 25.5٪ في عام 197513 إلى 2.5٪ فقط في عام 2000 بالنسبة للحبوب ومن 42.7٪ إلى 15.1٪ للحليب، ومن 19.1٪ إلى 4.4٪ للحوم ومن 37.8٪ إلى 29.3٪ لزيت الزيتون ومن 9.7٪ إلى 4٪ للخضروات الطازجة وأخيراً من 15٪ إلى 2.4٪ للفاكهة. من ناحية أخرى، من المهم أن نلاحظ أن أولئك الذين لديهم أقل من 5 هكتارات في 2004-2005 (8) يمثلون 54٪ من الفلّاحين في حين أنهم لا يملكون سوى 11٪ من إجمالي الأراضي الزراعية بمتوسط ​​2 هكتار لكل فلّاح. في الوقت نفسه، يمثل أولئك الذين يملكون أكثر من 100 هكتار في نفس العام 1٪ من العدد الجملي للفلّاحين ويستحوذون على 22٪ من إجمالي المساحة الزراعية (9).

بالتأكيد لا يمكننا ضمان الاكتفاء الذاتي الغذائي، خاصة فيما يتعلق بالحبوب، مع وجود فلاحين فقراء ومحرومين من حق الوصول الكافي والعادل إلى الأراضي الزراعية (ناهيك عن الموارد الطبيعية والمادية الأخرى). فعلى عكس ما يعتقده الفكر الليبرالي السائد، فإن كبار مالكي الأراضي الذين هم اللاعبون الرئيسيون في الأعمال التجارية الزراعية يفضلون الإنتاج للأسواق الدولية التي يحتفظون بها بحوالي 80٪ من إنتاجهم (خاصة بالنسبة للمحاصيل خارج الموسم والباكورات) وليس للسوق المحلي والوطني. بالنسبة لهم، فإن تراكم الأرباح ورأس المال له الأسبقية إلى حد كبير على الأمن الغذائي للسكان والسيادة الغذائية للبلاد. إنهم لا ينتجون لإطعام السكان بل يصدرون كميات كبيرة من المياه في شكل منتجات زراعية متنوعة إلى الخارج، على الرغم من أن العديد من مناطق البلاد في أمس الحاجة إليها. ومع ذلك، فإن الدولة توفر لهم معظم المساعدات المالية والإدارية المخصصة للقطاع الزراعي.

هذا هو نتاج السياسات النيوليبرالية التي تم وضعها منذ الثمانينيات مع تنفيذ برامج التكيف الهيكلي في الزراعة (PASA) في عام 1986 والتحرير الجديد التدريجي للقطاع الزراعي وخوصصة الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه والأراضي، ومختلف آليات الدعم والمساعدات التي تمنحها الدولة بسخاء لقطاع الأعمال التجارية الزراعية. ولطالما برر صناع القرار هذه السياسات على أساس تنمية الزراعة الصناعية والمكثفة والموجهة نحو التصدير بالحاجة إلى الحصول على العملات الأجنبية لتغطية الواردات الغذائية وغيرها من المنتجات الضرورية. في هذا المنطق الليبرالي والتقني، لم يتبق مكان للمخاطر المختلفة التي يمكن أن تسببها الأزمات الجيوسياسية الخارجية على إمكانية الوصول إلى الأسواق الدولية بالنسبة للاقتصادات التابعة، كما هو الحال اليوم مع الأزمة الأوكرانية. لم يتعلم صناع القرار التونسيين من دروس "أحداث الخبز" في الثمانينيات ولا أزمة الغذاء العالمية في 2007-2008 ولا حتى الحظر الذي فرضته القوى الغربية في السنوات الأخيرة على العراق والسودان وسوريا وليبيا ومؤخرًا في فنزويلا ... هذا العمى غير المسؤول هو نتاج رغبة صانعي القرار فيكل فترات ما قبل الاستعمار والاستعمار ومنذ الاستقلال، في دمج الزراعة التونسية في السوق العالمية ونظام الغذاء العالمي (فريدمان هارييت 2005 و2016 ؛ فريدمان هارييت، ماكمايكل فيليب 1989). إن منطق وآليات نظام الغذاء العالمي هي العوامل الرئيسية للتبعية الغذائية في تونس، وبالتالي العرضة الدائمة للعواقب المختلفة للأزمات الجيوسياسية والاقتصادية.

لذلك، فمن منطق القطع أو فك الارتباط 10 يجب أن نتخيل سياسات زراعية جديدة تضمن السيادة والأمن الغذائيين.

السبل لسياسة السيادة الغذائية: تغيير جذري في النموذج.

تتطلب سياسة السيادة الغذائية شجاعة سياسية ورؤية واضحة وتخطيطًا صارمًا وطموحًا ووقتًا وتماسكًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا. إن بناء مثل هذا المشروع لا يمكن أن يتم في وقت قصير جدًا وبدون نهج متعدد الأبعاد، حيث يجب أن تكون المرحلة الأولى منه نقاشًا اجتماعيًا حقيقيًا. في الواقع، مثل هذا المشروع مهم للغاية بحيث لا يمكن أن تفرضه الدولة عموديًا (من أعلى إلى أسفل) على المجتمع ككل. أثناء انتظار افتتاح المناقشة، إليك بعض المقترحات لإجراء مناقشة هادئة لا ينبغي أن تستغرق وقتًا طويلاً لفتحها:

تدابير عاجلة:

  1. الإعلان فورًا عن حالة الطوارئ الغذائية.

  2. تشجيع جميع المنتجين الزراعيين في الدولة، اعتبارًا من اليوم وبجميع الوسائل الممكنة، على التحول نحو إنتاج الحبوب. على سبيل المثال، يجب زيادة أسعار الحبوب عند الحصاد بشكل عاجل لتعويض الآثار المباشرة للأزمة الحالية.

  3. تعليق جميع الواردات من المنتجات الزراعية غير الغذائية لفترة معينة (ليس كل ما يتم استهلاكه هو الغذاء دائمًا) من أجل الاحتفاظ بالموارد المالية المتاحة لشراء المنتجات الغذائية الأساسية بما في ذلك الحبوب.

تدابير متوسطة وطويلة المدى:

  1. الحد بشكل كبير من تصدير المنتجات الفلاحية من الزراعات السقوية من أجل الحفاظ على الموارد المائية لصالح الإنتاج الغذائي "الوطني". لهذا، يمكن / يجب حشد العديد من الأدوات: الحوافز والتعويضات، الضرائب الجمركية، التخزين والبنية التحتية للنقل.

  2. تحويل الميزانيات المخصصة حالياً لمساعدة الصادرات الزراعية لصالح صغار المزارعين في إطار الاتفاقيات الفردية (الأسر الزراعية): ربط التمويل بجودة وحجم إنتاج المنتجات الغذائية المخصصة للسوق المحلي وممارسات حماية الموارد الطبيعية (الأرض والمياه) والتنوع البيولوجي.

  3. الحد من التربية التكثيفية للحيوانات التي تستهلك الكثير من الموارد المائية والحبوب التي غالبًا ما يتم استيرادها، والحظر التام لتربية الحيوانات في الأقفاص الثابتة.

  4. تنفيذ إصلاح زراعي يحدد الحد الأدنى في حجم وسقف الممتلكات الزراعية وفقًا لنوعية التربة ومتوسط ​​هطول الأمطار المحلي وتوافر المياه الجوفية التي يمكن تعبئتها. يمكن تنفيذ هذا الإصلاح بعد دراسات ومناقشات على مدى خمس إلى عشر سنوات.

  5. إقرار المساواة في وراثة الأرض بين الرجل والمرأة مع احترام الحجم الأدنى للممتلكات.

  6. إعادة التوزيع السريع للأراضي الدولية الفلاحية على صغار المزارعين وأبنائهم والشباب الحاصلين على تكوين فلاحي والعاطلين عن العمل مع الالتزام بالتكوين المسبق.

  7. تعزيز وتشجيع الزراعة الإيكولوجية: الأسمدة والمبيدات غير الكيميائية والبذور المحلية وتنويع المحاصيل وتربية الحيوانات والرعي وطرق التخزين التقليدية والمسالك التجارية القصيرة.

  8. التبني السريع لقاعدة "العهدة على الملوث" في الفلاحة.

  9. قصر دعم المنتجات الغذائية على الإنتاج الوطني حصريًا (المنتج في تونس).

  10. تحسين ظروف العمل الفلاحي المؤجر جذريًا: أن يكون العمل بعقد وأن يكون هناك حد أدنى للأجور وحد أقصى من ساعات العمل وإحاطة اجتماعية مع توفير وسائل نقل آمنة...

  11. إلغاء جميع اتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا والقوى الاقتصادية الأخرى، في غضون فترة زمنية معقولة، والمطالبة بإعادة التفاوض ووضع خطوط حمراء لايمكن تجاوزها للمفاوضين التونسيين.

  12. تطوير تبادلات متساوية مع الشركاء في الجنوب العالمي بدءًا من شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء.

قد تطلب الأمر حربًا (روسيا - أوكرانيا) من أجل زيادة الوعي الجماعي بمخاطر التبعية الغذائية في تونس. دعونا نرتقي إلى مستوى المناسبة ولا ننتظر حدوث الأزمة العالمية الكبرى التالية. إن سيادتنا السياسية وحقوق جميع السكان والأجيال القادمة في حياة كريمة على المحك.

  1. حبيب عايب عالم جغرافي، وباحث حاليًا في مرصد السيادة الغذائية والبيئة، وهو أحد الأعضاء المؤسسين له. وهو أيضًا مخرج أفلام وثائقية.

  2. ليبيدي جول 1955. "الاقتصاد التونسي منذ نهاية الحرب". دائرة الإحصاء التونسية. تونس. مكتب الطباعة الرسمي لتونس. نقلاً عن لطيفة هنية "الجفاف الكبير في تونس خلال الفترة العلمانية الماضية". https://books.openedition.org/enseditions/863?lang=fr

  3. استمر الاستعمار الفرنسي من عام 1881 إلى عام 1956. ولكن نظرًا لأن الوضع الرسمي للبلاد كان "محمية"، فقد كان هناك ما يشبه السلطة التونسية التي يرأسها الباي، ولكنها تخضع تمامًا للسلطة الاستعمارية.

  4. "روسيا هي أكبر بائع للقمح في العالم، بينما أوكرانيا هي الخامسة. كلاهما يوفر 19٪ من الشعير و 14٪ من القمح و 4٪ من الذرة في العالم، و تبيعان 52٪ من زيت عباد الشمس ". https://news.un.org/en/story/2022/03/1116152

  5. تتوافق هذه الاسعار مع العروض التي تلقتها تونس استجابة لمناقصات "شراء القمح" التي أصدرتها الحكومة التونسية. وهي تشمل سعر شراء القمح بالإضافة إلى النقل إلى الموانئ التونسية. يتحرك متوسط ​​الأسعار في السوق الدولية أكثر في كلا الاتجاهين.

  6. عايب حبيب، بوش راي 2019، انعدام الأمن الغذائي والثورة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المسائل الزراعية في مصر وتونس. مطبعة النشيد، لندن.

  7. خلال مظاهرة نظمها الحزب الدستوري الحر في 13 مارس 2022 ، بحضور رئيسته عبير موسي ، رفع العديد من المتظاهرين لافتات كتب عليها "المجاعة على أبوابنا". تناول موضوع خطر المجاعة العديد من وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.

  8. مع استثناءات قليلة، البيانات المتاحة على كلا الموقعين مطابقة للبيانات الرسمية المقدمة من الحكومات الأعضاء. تتوافق البيانات الواردة هنا مع تلك التي قدمتها الحكومة التونسية.

  9. يجب أن نذكر أن التونسيين الذين يعيشون في الخارج محسوبون في العدد الإجمالي لسكان البلاد وبالتالي في إحصاأت النمو الديموغرافي. إذا نظرنا فقط إلى "المقيمين" في تونس، سنرى أن الفجوة بين النمو السكاني والواردات الغذائية أكبر.

  10. يبدو أن استهلاك الحبوب في تونس انخفض من 204.4 كجم / فرد / سنة عام 1985 إلى 174.3 كجم / فرد / سنة عام 2015 (خالدي روضة وآخرون، 2016، 7).

  11. بالإضافة إلى الحبوب المستوردة لصناعة العلف المركز، هناك أيضًا بقايا الخبز الذي يُعطى للحيوانات ( خصة في المزارع الصغيرة والمتوسطة الحجم) كمكمل غذائي.

  12. جويلي مصطفى، 2008. التكيف الهيكلي والعولمة والزراعة الأسرية في تونس. أطروحة الدكتوراه في الاقتصاد. جامعة مونبلييه 1 مونبلييه.

  13. تقدر عدة مصادر أن المعدلات الرسمية للاستهلاك الذاتي في المزارع خلال الستينيات والسبعينيات كانت أقل من الواقع إلى حد كبير.

  14. في ظل عدم وجود تعدادات زراعية في تونس، وهو انحراف لا يمكن تفسيره، فإن الإحصاءات الوحيدة القابلة للاستخدام نسبيًا هي تلك التي توفرها مسوحات الحيازات الزراعية التي تجريها وزارة الزراعة على فترات 10 سنوات، منذ الستينيات. آخر الإحصاءات المتاحة تواريخ المسح من 2004-2005.

  15. لم يتم إجراء مسح آخر منذ 2004-2005، ولكن يجري حاليًا إجراء إحصاء منهجي، وهو الأول في تاريخ البلاد. لن تُعرف النتائج قبل نهاية عام 2022 أو بداية عام 2023.

  16. أمين، سمير. 1989. فك الارتباط: نحو عالم متعدد المراكز. لندن (الإنجليزية)، مطبعة كتب زيد، 210 ص.

**الترجمة من الفرنسية إلى العربية والتدقيق اللغوي: دينا عامري وهيثم ڤاسمي. شكرا.