مساحات خضراء شاسعة تمتد على مرمى البصر، تزرع بميكنة زراعية متطورة تنوب عن مئات العمال الزراعيين، تروى بمحاور ري دائرية عملاقة متصلة عبر سلسلة من القنوات بواحدة من أكبر محطات الرفع في العالم. عدد من المهندسين يشرفون على تجهيزات التوسع في زراعة مساحات جديدة من البرسيم الحجازي في أرض تابعة لإحدى شركات الاستثمار الخليجية في مشروع توشكى. هنا صحراء مصر الغربية. تحركات سريعة على قدم وساق.
قبل هذا بـ21 عامًا؛ كانت هذه المساحات الخضراء صحراء قاحلة صفراء، تحولت لفكرة مشروع تنموي واستثماري زراعي طموح لخدمة الشعب المصري، ولكن آل الأمر لاستحواذ الشركات الخليجية على معظم أراضيه كجزء من خطة دول الخليج لتحقيق أمنهم الغذائي بامتلاك أراضٍ وزراعتها خارج حدودهم.
يعود المشهد اليوم إلى اللحظة التي أدركت فيها دول الخليج أهمية مواردهم المائية الشحيحة بطبعها، فأطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة الملك عبد الله
بن عبد العزيز للاستثمار الزراعي في الخارج يناير 2009 وتحقيق الأمن
الغذائي اعتمادًا على الاستثمار في الدول التي تمتلك مقومات الزراعة.
ضمن هذه المبادرة تقديم العون المادي للمستثمرين السعوديين بالخارج بنسب تصل إلى 60% من تكاليف الإنشاءات ومستلزمات الإنتاج، بالإضافة إلى الدعم السياسي عبر اتفاقيات ثنائية مع الدول المستقبلة للمستثمرين لتسهيل عملهم خارجيًا وتأمين تصدير 50% على الأقل من إنتاجهم إلى المملكة.
لم تكن المبادرة وليدة اللحظة، وإنما إستراتيجية طويلة المدى تطورت تدريجيًا بقرار تلو الآخر بدأت بالحد من زراعة القمح عام 2005 عن طريق تقليص دعم زراعته تدريجيًا وصولًا إلى وقفه نهائيًا في 2008 إثر قلق وزارة الري السعودية من استنزاف الموارد المائية في المملكة؛ متخلية بذلك عن برنامج عمره 30 عامًا حقق للمملكة الاكتفاء الذاتي من القمح لكنه استنزف مواردها المائية. عادت مؤخرًا العام الماضي وسمحت بزراعة القمح بشروط معينة في مقابل منع زراعة الأعلاف الخضراء لاستهلاكها ما يعادل 6 أضعاف استهلاك القمح من المياه.
لم تكن السعودية وحدها في هذا المأزق، فالإمارات العربية المتحدة التي تعاني هي الأخرى من شح الموارد المائية واستيرادها نحو 90% من احتياجاتها الغذائية دفعت بشركاتها لتستثمر بالزراعة في الخارج.
تشابه الظروف دفع الدولتين لتوقيع إستراتيجية العزم العام الماضي، لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري الكامل بين البلدين، وتبني إستراتيجية موحدة للأمن الغذائي لتسخير القوى الإنتاجية الزراعية والحيوانية والعمل على مشاريع مشتركة.
خلال سنوات قليلة، تمكنت الإمارات من الاستحواذ على مساحة تصل إلى 4 ملايين و250 ألف فدان في 60 دولة حول العالم كما استحوذت المملكة السعودية على مساحة 4 ملايين فدان حول العالم.
يعرف البعض استحواذ الدول الغنية على مساحات واسعة من الأراضي عن طريق الشراء أو الاستئجار في دول ذات إمكانات زراعية بشكل من أشكال الاستعمار الجديد المعني بتحقيق الأمن الغذائي للأولى على حساب المصادر غير المتجددة في الثانية ومنها الماء.
وجدت الشركات الخليجية غايتها في مصر. فبينما تعول الأولى على الاستثمار الزراعي خارج حدودها، تعتمد الثانية على دعم الزراعات التصديرية وتتجه إلى نمط إنتاج رأسمالي قائم على المزارع الاستثمارية الكبيرة والحديثة على حساب دعم المحاصيل الإستراتيجية والزراعة الفلاحية في وادي النيل ودلتاه.اقرأ المزيد.اقرأ المزيد:
Source: https://madamirror13.appspot.com